بين الربح والمسؤولية.. كيف تُقيم الشركات المصرية أثر مشروعاتها المجتمعية

بين الربح والمسؤولية.. كيف تُقيم الشركات المصرية أثر مشروعاتها المجتمعية

مع التغيرات الاقتصادية والبيئية المتسارعة، أصبحت الاستدامة مسؤولية حتمية للشركات، وليس مجرد رفاهية أو استراتيجية تسويقية.

وفي مصر، تتجه الشركات بشكل متزايد نحو تنفيذ خطط ومبادرات مستدامة تؤثر إيجابيًا على البيئة والمجتمع، إلى جانب تحقيق أهدافها الربحية.

وخلال السنوات الأخيرة، شهد السوق المصري تحولات كبيرة في كيفية تعامل الشركات مع الاستدامة، مدفوعة بعدة عوامل، أبرزها:

الضغوط التنظيمية والتشريعية، حيث تفرض الحكومة المصرية قوانين جديدة تلزم الشركات بالامتثال لمعايير البيئة والمجتمع والحوكمة “ESG”، وتزايد وعي المستهلكين، إذ أصبح العملاء يفضلون العلامات التجارية التي تتبنى ممارسات مسؤولة بيئيًا واجتماعيًا، بالإضافة إلى المنافسة العالمية، حيث تسعى الشركات المصرية إلى جذب الاستثمارات الأجنبية والشراكات الدولية، مما يتطلب تبني معايير الاستدامة.

ولقياس مدى نجاح وتأثير استراتيجيات الاستدامة، يتم الاعتماد على معايير وأدوات متعددة، ومنها معايير ESG “البيئة، المجتمع، الحوكمة”، وتعد معايير ESG من أهم المؤشرات التي تقيس مدى التزام الشركات بمبادئ الاستدامة، وهي تشمل كل من تقليل انبعاثات الكربون، وإدارة الموارد الطبيعية بكفاءة، وتبني الطاقة المتجددة، وتحسين بيئة العمل، دعم المجتمعات المحلية، وتعزيز المساواة بين الجنسين، بالاضافة إلى تعزيز الشفافية، ومكافحة الفساد.

كما يعتمد نجاح وتأثير استراتيجيات الاستدامة من قياس التأثير الاقتصادي والاجتماعي من حيث عدد الوظائف الجديدة التي تم توفيرها نتيجة المبادرات المستدامة، وحجم الاستثمارات في مشروعات تدعم البيئة أو المجتمع، فضلًا عن تحسين سبل المعيشة للمجتمعات المحيطة بمواقع الشركات.

وهناك العديد من النماذج الناجحة لشركات مصرية قامت بتطبيق معايير الاستدامة في عام 2024، ومن بينها شركة تطوير مصر، وشركة سيكم، وشركة شنايدر الكتريك، وشركة اورانج حيث تبنت كل منها استراتيجيات مبتكرة لتحقيق التوازن بين الربحية وحماية البيئة.

وركزت شركة “تطوير مصر” على تعزيز الحوكمة والاستدامة، وأطلقت الشركة مؤخرًا استراتيجية جديدة تهدف إلى تطبيق معايير الحوكمة والاستدامة البيئية في مشروعاتها، بهدف تحقيق أعلى معدلات النمو وتحسين كفاءة التشغيل.

وعملت الشركة على إعادة هيكلة النظام الإداري، بما يتماشى مع أهدافها المستقبلية وخططها التوسعية، وشملت هذه الهيكلة تعيينات جديدة في الإدارة العليا لتعزيز الكفاءة المؤسسية وتحقيق تطلعات الشركة على المدى البعيد.

وبما يخص بتطبيق معايير الحوكمة، قامت الشركة بتعزيز الرقابة على الأداء وتطبيق معايير الحوكمة، مما يضع الشركة في مكانة تؤهلها للإدراج في سوق المال على المدى المتوسط.

وتستهدف شركة تطوير مصر أيضًا التركيز على الاستدامة البيئية من خلال بناء مجتمعات عمرانية مستدامة وذكية، من خلال تبني حلول تكنولوجية بالشراكة مع شركات عالمية للحفاظ على البيئة وترشيد استهلاك الموارد الطبيعية.

وفازت شركة “سيكم” في 2024 بجائزة “أبطال الأرض” من برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تقديرًا لمساهماتها في مكافحة التصحر وتدهور الأراضي، حيث نجحت الشركة في في تحويل الأراضي القاحلة إلى مزارع حيوية مزدهرة باستخدام ممارسات زراعية مستدامة، مما يعزز التنوع البيولوجي ويحسن صحة التربة.

وتستكمل الشركة مسيرتها في تحقيق الاستدامة من خلال دعم المزارعين، حيث أطلقت “سيكم” بالتعاون مع الجمعية المصرية للزراعة الحيوية مبادرة تهدف إلى دعم 40,000 مزارع في التحول إلى أساليب الزراعة العضوية والحيوية بحلول عام 2025.

وتتضمن هذه المبادرة تقديم التدريب والدعم الفني للمزارعين، بالإضافة إلى تطوير معيار شهادة “اقتصاد المحبة” الذي يركز على الإنتاج الصديق للبيئة والعدالة الاجتماعية.

وبما يتعلق بإصدار شهادات الكربون: في إطار جهودها لتعزيز الاستدامة، أصدرت “سيكم” شهادات كربون، مما يتيح للمزارعين تحقيق دخل إضافي من خلال بيع أرصدة الكربون، وبالتالي تشجيع الممارسات الزراعية التي تقلل من الانبعاثات الكربونية.

وتسهم هذه المبادرات في تعزيز الأمن الغذائي، مكافحة تغير المناخ، وتحسين سبل عيش المزارعين في مصر، كما تعزز من الوعي البيئي وتروج للممارسات الزراعية المستدامة على نطاق واسع.

 

وأعلنت شركة “شنايدر إلكتريك مصر”، في 2024 عن نتائج قوية لبرنامجها لتأثير الاستدامة للربع الثالث من عام 2024، حيث حققت معدل تأثير بلغ 7.29 من 10، مما يعكس تقدمها نحو تحقيق هدفها السنوي المتوقع وهو 7.40.

ونجحت الشركة أيضًا في مساعدة عملائها على تقليل ،وتجنب انبعاثات كربونية تجاوزت 600 مليون طن بفضل منتجاتها وخدماتها الموفرة للطاقة.

واستفاد أكثر من 682,000 شخص حول العالم من برامج التدريب التي تقدمها الشركة في مجال إدارة الطاقة، بالإضافة إلى استهدافها تدريب مليون شخص بحلول نهاية عام 2025.

وتُظهر هذه المبادرات التزام “شنايدر إلكتريك” بتعزيز الاستدامة البيئية والاجتماعية، من خلال تقليل الانبعاثات الكربونية، وتمكين المجتمعات عبر التدريب والتطوير، وتعزيز كفاءة استخدام الموارد.

ونجحت شركة “أورانج مصر” في تقليل انبعاثاتها الكربونية بنسبة 18%، من خلال ممارسات الاستدامة في شبكاتها ومراكز البيانات ومرافقها.

كما قامت الشركة بتركيب ألواح شمسية في 150 موقعًا، وأطلقت أول متجر صديق للبيئة في الشرق الأوسط وأفريقيا بمدينة شرم الشيخ.

وشاركت “أورانج مصر” في مشروع “SWITCH2CE” بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية UNIDO، بهدف تقليل البصمة الكربونية للمعدات الإلكترونية والكهربائية وتعزيز ممارسات إعادة التدوير.

وتُبرز هذه الجهود التزام “أورانج مصر” بتحقيق التوازن بين تقديم خدمات اتصالات متطورة والحفاظ على البيئة، من خلال تقليل الانبعاثات، وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، ودعم المبادرات المجتمعية المستدامة.

وهذه النماذج تعكس التزام الشركات المصرية بتطبيق معايير الاستدامة وتعزيز المسؤولية المجتمعية، مما يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وتُولي الحكومة المصرية أهمية كبيرة لتعزيز الاستدامة في القطاع الخاص، وقد اتخذت عدة مبادرات لدعم الشركات في هذا المجال، وفيما يلي أبرز الجهود الحكومية الموثقة:

إطلاق المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية، وتهدف هذه المبادرة إلى تشجيع الشركات على تنفيذ مشروعات صديقة للبيئة، مع التركيز على التحول نحو الطاقة المتجددة.

وتعمل الحكومة من خلال هذه المبادرة على بناء شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص، والشركاء الدوليين، ومنظمات المجتمع المدني، لتوفير الدعم الفني والمالي للمشروعات الخضراء.

كما تسعى إلى تطوير منطقة قناة السويس كمركز رئيسي لإنتاج الهيدروجين الأخضر، بهدف تلبية 10% من الطلب العالمي على الهيدروجين بحلول عام 2050.

وأطلقت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية منصة “شراكات التنمية المستدامة على المستوى المحلي”، لتعزيز دور القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وتهدف المنصة إلى توثيق الجهود التنموية، وتسهيل التواصل بين الحكومة والفاعلين المحليين، مع التركيز على مجالات مثل التنمية الاقتصادية، وسياسات دعم الاقتصاد الأخضر، والتمكين الاقتصادي للمرأة.

ووافق مجلس الوزراء على مبادرة دعم القطاعات الإنتاجية لتقديم تسهيلات تمويلية للقطاع الخاص، بهدف تمكين الشركات من شراء الآلات والمعدات أو خطوط الإنتاج اللازمة للتوسع في الصناعات ذات الأولوية، وتستهدف هذه المبادرة تعزيز دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية وتحقيق الاستدامة.

كما أطلقت مصر النسخة العربية من إرشادات السلوك المسؤول للشركات متعددة الجنسيات، لتعزيز ممارسات الأعمال المستدامة والمسؤولة، وتسليط الضوء على التزام مصر بتعزيز التنمية المستدامة ومواءمة استراتيجيتها الوطنية مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.

واستثمرت مؤسسة التمويل الدولية أكثر من 600 مليون دولار في مصر لدعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر، حيث شملت هذه الاستثمارات تمويلات موجهة لمشروعات الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة استخدام الموارد، وتعزيز الشمول المالي للشركات الصغيرة والمتوسطة.

ومن خلال هذه المبادرات والشراكات، تؤكد الحكومة المصرية التزامها بتعزيز الاستدامة في القطاع الخاص، وتوفير بيئة داعمة للشركات لتبني ممارسات مسؤولة ومستدامة.

ولا تزال هناك العديد من الفرص لتعزيز الاستدامة، بما في ذلك تزايد الاستثمارات في التكنولوجيا النظيفة والطاقة المتجددة، وارتفاع وعي المستهلكين مما يزيد من الطلب على المنتجات المستدامة، إلى جانب دعم الحكومة المصرية عبر المبادرات التمويلية والحوافز الضريبية.

ويُظهر هذا التحقيق أن الاستدامة لم تعد خيارًا بل ضرورة حتمية للشركات المصرية، سواء لضمان استمرارية أعمالها أو لمواكبة المعايير الدولية، ومع زيادة الدعم الحكومي وارتفاع الوعي المجتمعي، تصبح الفرصة سانحة أمام الشركات لتبني استراتيجيات تحقق التوازن بين الأرباح وحماية البيئة والمجتمع.

شارك الخبر

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة